بسم الله الرحمن الرحيم
نظرية المنهج مقدمة وقد ابتدأت بحثي بتوطئة تحدثت فيها عن التطور التاريخي لنظرية المنهج ، ثم تناولت فيه القضايا الآتية :أولا : تعريف النظرية : وقد قمت بعرض مجموعة من التعريفات ثم خَلُصت منها إلى مفهوم للنظرية وأشرت إلى أهم وظائفها .ثانيا : تعريف النظرية التربوية : ولتوضيح مفهومها قمت بعرض مجموعة من التعريفات التي عرفتهاثم بينت الفرق بين النظرية في العلوم الطبيعية والنظرية التربوية ثم أشرت إلى أن العالم الإسلامي لا يحتاج إلى نظرية تربوية بل إلى تصور إسلامي للتربية.ثالثا : نظرية المنهج : وقد تناولتها بشيء من التفصيل على النحو الآتي :أ - تعريف نظرية المنهج .ب - تصنيف نظريات المنهج .ج - وظائف نظرية المنهج .د - مآخذ على نظرية المنهج : ) نظرية المنهج) نظرة تاريخية: يعد المنهج عنصرا رئيسا من عناصر المنظومة التعليمية ، وقد عني الباحثون بدراسته أيما عناية، وقد تجلى ذلك في كثرة الدراسات التي تناولته بالبحث والتنظير وتشير مصادر الأدب التربوي أن الدراسات التي عنيت بالتنظير للمنهج ـ أي محاولة وضع نظرية له ـ قد بدأت بصورةبسيطة بدائية منذ عشرينات القرن العشرين . غير أن البداية الفعلية للدراسات في هذا المجال ترجع إلى العام 1947 م حيث عقد أول مؤتمر لنظرية المنهج بجامعة شيكاغو بالولايات المتحدة الأمريكية .وقد نُشِرت البحوث التي نوقشت فيه عام ( 1950)تلا ذلك صدور كتاب: نظرية المنهج لـ (بوشامب Bouchamp) عام (1961) وقد عُدّ ظهوره خطوة لهاأهميتها في مجال بلورة نظرية المنهج . وقد أعيد طبع الكتاب مرات عدة مما يدل على رواج الفكرة .و تمثل ورقتا العمل المقدمتان من ( بوشامب Bouchamp ) للمؤتمر القومي لجمعية الإشراف وتطويرالمناهج بالولايات المتحدة عام (1963 م ) مرحلة متقدمة في مسيرة تطور هذه الدراسات ؛ حيث ناقشفي الورقة الأولى بناء النظرية في المنهج ، أما الثانية فقد ناقش فيها دور الفلسفة في تطوير نظرية المنهج .وقد توالت الدراسات بعد ذلك وصارت نظرية المنهج جزءا أساسيا من الدراسات المتعلقة بالمنهج .ولكي يتضح لنا مفهوم نظرية المنهج سنبدأ في التعرف على مفهوم النظرية بشكل عام ثم نناقش مفهوم النظرية التربوية ، ثم نتعرف على المقصود بنظرية المنهج .أولا : تعريف النظرية :تعددت تعريفات النظرية بمفهومها العام في مصادر العلوم الطبيعية ومصادر الأدب التربوي ،وحتى يتضح لنا مفهوم النظرية أرى أن أعرض مجموعة من هذه التعريفات لتسهم في تقديم مفهوم واضح لها .يُعرِّف ( كابلان Kablan (النظرية بأنها " منطق أعيد بناؤه ليبدو كأداة لتفسير ونقد وتوجيه القوانين الراسخة وتطويعها لتتناسب مع البيانات غير المتوقعة في تكوينها ، ثم توجيه السعي نحو اكتشاف تعميمات جديدة " .ويذهب ( كيرلنجر Kerlinger ) إلى أن النظرية "مجموعة من ا لمفاهيم و التعريفات والافتراضات المترابطة التي تقدم نظرة نظامية إلى الظواهر، يتم فيها تحديد المتغيرات التي تؤثر في كل منها والعلاقات بين هذه المتغيرات بهدف وصف الظواهر وشرحها والتنبؤ بها " .ويلخِّص ) سنو Snow ( مفهومه للنظرية بقوله : " تعتبر النظرية في أبسط صورها بناء رمزيا ، صمم ليحوِّل الحقائق المعممة أو القوانين إلى ارتباط منظم وهي تتكون من :أ - مجموعة من الوحدات ( حقائق ، مفاهيم ، متغيرات (ب - نظام من العلاقات بين الوحدات .أما ( رمضان القذافي ) فيرى في كتابه : نظريات التعليم والتعلم أن النظرية " صياغة لمجموعة من العلاقات الظاهرة ، تمّ التحقق من صحتها جزئيا على الأقل بين مجموعة من الظواهر"ويعرِّف (فالوقي) النظرية في كتابه بناء المناهج التربوية بأنها " مجموعة مترابطة من الفروض التي يقصد منها شرح وتفسير ظاهرة معينة وكيفية وقوعها وشروط حدوثها والظروف الملائمة لذلك مع بيان النتائج المترتبة عليها "ويشير (شحاتة والنجار) إلى أن "النظرية في صورتها الأنموذجية عبارة عن صياغة كمية أو كيفية موجزة ومحكمة وعالية التجريد ، تعبر عن نسق استنباطي تصوري وافتراضي وتعمل بمثابة دليل أو موجه للبحث العلمي في مجالها ، كما تفسر الظاهرات موضوع تنظيرها ، هذا بالإضافة إلى إمكانية التنبؤ من خلالها بمعطيات معرفية جديدة مثل الحقائق النسبية والفروض والقوانين ، ويمكن إخضاع النظرية للاختبار إضافة إلى قبولها للدحضأو النقد ( التفنيد ) . ويوجز ( عوض ) تعريف النظرية قائلا بأنها " مجموعة من القوانين ، مهمتها فهم مجموعة معينة من الظواهر ، ثم بيان العلاقة بينها و تقديم تفسير مناسب لها . ونخلص من خلال التعريفات السابقة إلى أن النظرية صياغة محكمة لمجموعة علاقات تقوم بين أجزاء ظاهرة ما أو ظواهر عدة بهدف وصف هذه العلاقات أو شرحها أو التنبؤ بها ، كما أن النظرية تقوم مقام الموجه والدليل الهادي للبحوث العلمية .وتكاد التعريفات تجمع على أن وظائف النظرية هي :الوصف : ويهدف إلى تقديم تعريف دقيق للمصطلحات المستخدمة في النظرية .الشرح : ويقصد به شرح الشيء من خلال التوصل إلى علاقات بينه وبين المعارف المتوفرة لدينا من أجل إزالة الغموض الذي يكتنفه .التنبؤ : وهو يشير إلى ميل بعض النظريات إلى التنبؤ بأمور مستقبلية ، ويرى بعض الباحثين أن المعيار الحقيقي للحكم على صدق النظرية يتمثل في قدرتها التنبؤية والنظريات العلمية رغم صدقها النسبي إلا أنها لا تتصف بالثبات لأن العلم دائم التطور ، وكم من نظريات علمية سادت أزمانا باتت الآن في عالم النسيان. ثانيا : تعريف النظرية التربوية : يبدو ارتباط مصطلح النظرية بمصطلح التربية ـ للوهلة الأولى ـ أمرا غير مألوف ؛ إذ طالما ارتبط مفهوم النظرية بالعلوم الطبيعية لا العلوم الاجتماعية ، إلا أن ميل الباحثين إلى التعاطي مع التربية كعلم جعل هذا المصطلح متداولا في مصادر الأدب التربوي ، فما المقصود بهذا المصطلح ؟يعرف ( مدكور ) النظرية التربوية بأنها " مجموعة من المبادئ المترابطة التي توجه العملية التربوية و تحكم الممارسات التعليمية .يرى ( عميرة ) أن النظرية التربوية " مجموعة من المصطلحات والافتراضات ، والمنشآت العقلية الأخرى ، المترابطة منطقيا ، والتي تمثل نظرة نظامية إلى الظواهر التربوية ، والنظرية التربوية تصف الظاهرة ( أو الظواهر ) وتتنبأ بها ، وتشرحها ، كما أنها تخدم كسياسة لتوجيه العمل واتخاذ القرار ويعرفها (اللقاني والجمل) بأنها" نوع مختلف عن النظرية في مجال العلوم الطبيعية ؛ إذ إنها تصف العمليات والإجراءات التي يجب القيام بها ، وتقدم من التوصيات ما يفيد في عملية التدريس من وجهة نظر معينة فهي تصف مجموعة من الأنشطة التي تحدث في عملية التربية مثل: التدريس ، والإقناع ، وإثارة الدوافع ، والتعليم ، ومن ثمَّ في تعمم لبلوغ أهداف معينة ، وتعطي من التوصيات ما يساعد على الممارسة ونخلص من التعريفات السابقة إلى النظرية التربوية تتلاقى مع النظرية في أنها تسعى إلى وصف الظاهرة وشرحها والتنبؤ بها إلا أن الاختلاف الأساسي بينهما يتمثل في أن النظرية العلمية تصف وتشرح ما هو قائم في الطبيعة بينما تقوم النظرية التربوية على وصف وشرح ما ينبغي أن تكون عليه الممارسات التربويةويشير عطيفة إلى أن النظرية التربوية ليست في قوة النظرية في مجال العلوم الطبيعية ، ورغم أن دورها في المجالات التربوية غير واضح إلا أن لها مكانا في البحوث التربويةويرى ( مدكور ) أننا في العالم الإسلامي لسنا بحاجة إلى نظرية تربوية ، بل نحن بحاجة إلى تصور إسلامي للتربية ؛ ذلك أن أي نظرية لا بد أن تبنى على فلسفة ولا يوجد في إسلامنا فلسفة بل شريعة ربانية المصدر ، كما أن كل نظرية تبنى على ثلاثة أمور أساسية وهي : المصادر ، والمقاصد والغايات ، و الوسائل والأساليب والطرائق ، ويستطيع أصحاب النظرية تغير وتطوير ما يشاءون منها بينما في التصور الإسلامي فإن المصادر والغايات ثابتة لأنهما مستمدة من العقيدة أما الوسائل والأساليب والطرائق فهي قابلة للتطوير ثالثا : نظرية المنهج : أ - تعريف نظرية المنهج :يستطيع الباحث في مصادر الأدب التربوي أن يجمع تعريفات عدة لنظرية المنهج ، و أرى أن أقوم بعرض بعض منها لتساعد في تكوين مفهوم واضح لنظرية المنهج .تُعرِّف ( هيلدا تابا Hilda Taba ) نظرية المنهج بأنها " طريقة لتنظيم التفكير حول قضايا تخص تطوير المنهج مثل مكونات المنهج أو أهم عناصره ، وكيفية اختيارها وتنظيمها ، ومصادر القرارات المنهجية ، وكيفية ترجمة المعلومات والمعايير النابعة من هذه المصادر لأجل بناء قرار منهجي محسوس "أما ( بوشامب Beauchamp ) فقد عرَّف نظرية المنهج بأنها " مجموعة من العبارات المتربطةالتي تعطي معنى لمنهج مدرسة عن طريق إبراز العلاقات التي تربط بين عناصره و تطويره واستخدامه وتقويمه "وتذهب ( Cwynn ) إلى أن نظرية المنهج " مجموعة المعتقدات التي يتبناها الفرد ويستخدمها كقاعدة لقراراته الخاصة في تنفيذ المنهج ، وتشتق هذه المعتقدات من مبادئ الفكر الفلسفي والاجتماعي المتداخلة ومن المرئيات المتعلقة ببنية المعرفة وطبيعتها " . وتستلهم تعريفات الباحثين العرب لنظرية المنهج تعريفات الباحثين الأجانب فمثلا نرى ( زياد حمدان ) يعرفها بأنها " مجموعة المبادئ الفلسفية والتاريخية والثقافية والنفسية والمعرفية التي توجه صناعة المنهج ومكوناته المختلفة من أهداف ومعلومات وأنشطة تربوية متنوعة "ويعرفها ( حسام مازن ( بأنها " مجموعة من الأفكار والمعتقدات التربوية والنفسية التي يتبناها المخطط التربوي وتوجه المنهج التربوي بعناصره المختلفة من أهداف ومحتوى وطرق وأساليب وأنشطة ووسائل تعليمية وتقويمية بما يساهم في تجويد العملية التعليمية وتوجيهها لصالح المتعلم والمجتمع ويخرج كل من ( اللقاني والجمل ) بنظرية المنهج من دائرة الأفكار و المعتقدات ا لتي توجه عمل واضعي المنهج إلى دائرة الفعل والتنفيذ حيث يعرِّفان نظرية المنهج بأنها " مجموعة القرارات التي تسفر عنها دراسة المجتمع وثقافته وفلسفته التي يلتزم بها ، ودراسة المتعلم وطبيعته وعلاقاته وتفاعلاته في السياق الاجتماعي الذي ينتمي إليه والتي تنعكس على أهداف المنهاج ومحتواه وتحدد العلاقة بين المحتوى والمتعلم واستراتيجيات التدريس وغير ذلك من مقومات العملية التعليمية سواء في مستوى القرارات الاستراتيجية أم في مستوى القرارات التكتيكية ."وبمقدور المتمعن في التعريفات السابقة لنظرية المنهج أنْ يدرك أنَّ ثمة اختلاف بين هذه التعريفاتففي حين ركَّز بعضها على طبيعة المنهج المدرسي وعناصره وتطوره واستخدامه ركز جانب آخر منها على المعتقدات والمبادئ الفكرية التي توجه عمل واضعي المنهج ، وقد أدى هذا التباين في التعريفات إلى دفع الباحثين إلى تصنيف نظريات المنهج ، وهذا ما سنتناوله فيما يلي :ب – تصنيف نظريات المنهج :تعددت تصنيفات الباحثين لنظريات المنهج ، فمنهم من صنَّفها إلى نظريات معقدة وأخرى ناضجة ومنهم من صنف واضعيها إلى منهجيين يتسمون بالشدة و منهجيين يتسمون باللين ويميل بعض الباحثين إلى الأخذ بتصنيف ( ماكدونالدMacdonald) لكونه من أفضل التصنيفات التي تسهم في فهم الواقع الحالي للتنظير للمنهج ، وقد صنف واضعه نظريات المنهج إلى أنواع ثلاثة هي " - 1. النظرية المنهجية الضابطة:وهي تزود الحقل المنهجي وعملياته بأطر ضابطة ، توجهه لزيادة كفايته وفعاليته التربوية . - 2. النظرية المنهجية التفسيرية:وهي تهتم بوضع تفسيرات وتأويلات أو تأملات توضح مظاهر المنهج وعملياته وابتكار تصورات جديدة تأخذ على عاتقها تحليل الظواهر والممارسات المنهجية الجارية وفهمها ومن ثم تحديد عيوبها وضعفها 3. النظرية المنهجية الناقدة:وهي أشمل النظريات المنهجية وأكثرها إيجابيةً وعمليةً لحقل المنهج ؛ لأنها تجمع بين النظرية والتطبيق وبين وظائف أخرى تؤدي إلى فهم حقل المنهج وضبطه في آن واحد."ج - وظائف نظرية المنهج :لنظرية المنهج وظائف لا تقف عند حدود الوصف والشرح و التنبؤ ـ وهي الوظائف الأساسية لأية نظرية ـ بل تمتد لتشمل القضايا الهامة في تطوير المناهج وإبراز العلاقات الموجودة بين هذه القضايا ، والتنبؤ بمستقبل الحلول وضعت لهذه القضايا ، كما تسعى نظرية المنهج إلى إكساب المعلم القدرة على نقد المجتمع نقدا حرا ، وتوجيهه ( أي المعلم ) إلى تبني أفضل الاختيارات وأكثرها معقولية بالنسبة لعمله د- مآخذ على نظرية المنهج :يرى بعض الباحثين أن نظرية المنهج تتسم بالضعف ؛ وذلك استنادا إلى مجموعة من الحجج التي تقول بأن النظرية في مجال التربية لم تنضج بعد ولم تصل إلى مرحلة من الدقة تشبه تلك الدقة التي تمتلكها النظريات العلمية في مجال العلوم الطبيعية ، كما أن التربية ليست علما ، وأن الظواهر التربوية تمتاز بالتشابك والتعقيد مما يجعل مجال الخطأ في دراستها كبيرا ، كما أن الواقع الميداني يثبت ضعف النظريات التربوية على التنبؤ بالسلوك الإنساني ، إضافة إلى أن المعلمين في ميدان التدريس يعتمدون على معارف متفرقة دون الاستناد إلى نظرية ثابتة . ويَرُدُّ فريق آخر من الباحثين على الرأي السابق قائلين بأنَّ التربية وإنْ لم تكن علما محددا واضح المعالم فإنها تشمل مجموعة من العلوم التي تُدَرَّس في نسق واحد لطلبة كليات التربية ، ويضيفون بأن التربية لكي تصل إلى مراتب العلوم فلا بد لها من نظرية تستند إليها ، وقد شهد الميدان التربوي محاولات جادة لوضع نظريات للمنهج يأتي على رأسها محاولة ( بوشامب Bouchamp ) في كتابه نظرية المنهج ، كما ظهرت النظرية الجوهرية و النظرية البراجماتية. وما بين القبول والرفض يطرح الباحث التساؤل الآتي : هل العالم الإسلامي بحاجة إلى نظرية منهج أم بحاجة إلى تصور إسلامي للمنهج ؟ ويميل الباحث إلى أننا بحاجة إلى تصور إسلامي للمنهج تكون مصادره وغاياته ثابتة لكونها مستمدة من الكتاب والسنة ، أما وسائله فهي قابلة للتجديد والتطوير, ولعل الهجمة الشرسة المعلنة على المناهج الدراسية في كثير من دول العالم الإسلامي تمثل دافعا قويا لنا للتمسك بتصور إسلامي للمناهج لا يخضع للأهواء والرغبات . المراجع
http://www.almualem.net/maga/a1027.html 8:30 pm , 8/4/2008 م
http://www.almualem.net/maga/a1027.html 8:30 pm , 8/4/2008 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق