تجميع مادة علميةأد/ حسام مازن
الكاتب البولندي اندري فويجيك - عدنان المباركالامريكان اول من اطلق مصطلح (الخيال العلمي)كان عالم العصر الوسيط عالم القيم الثابتة. فمجموعة صياغات الدوغمات الديني الفكرية حددت افكاره العامة واتجاهات اهتمامه، وكان هذا الدوغمات سندا له في ميدان السلوك، اما الادراك بان الارض مركز الكون وان الانسان هو السيد الوحيد والامثل للطبيعة فقد جاءه بالسند الاخلاقي لافعاله .وكانت افكار واكتشافات كوبير نيكوس وكانت ودارون ثم اينشتاين، البالغة الخطورة في نتائجها قد عكرت ما بقي من هدوء في هذا الانسان نفسه.وهكذا صار الاستقلال الفكري او بالاحري التفكيري، وليس الجبرية قاعدة للانسانية وكان النظام الكوبرنيكوسي والاعتراف الرسمي به قد القي بالانسان خارج مركز العالم حيث اصبح يقوم بدور مخلوق واحد فحسب من مخلوقات الصدفة والتي وجدت نفسها في ضاحية من ضواحي المجموعة الشمسية.ان اكتشاف نظرية النسبية وشيوعها وما ترتب عليها وليس فقط من نسبية في المشاعر والمعتقدات والآراء، بل في ما يخص الحقيقة العلمية، قد هدم كليا نظام عالم الفرد. كما ان عامل التقنية الذي رافق لتطور العاصف للفكر، لم يبق عاملا هامشيا فالي جانب المخاوف ذات البواعث الميتافيزيقية جاءت الاخري التي صنعها الجنس البشري لنفسه فالانسان الذي زال هلعه من قوي ما وراء الطبيعة والكوارث الطبيعية اخذت تزداد مخاوفه من عالمه الخاص، من قابلياته في التأثير علي الطبيعة كذلك بدا خوفه من النظام الاجتماعي ذي الصياغة المثالية خشية ان يفقد انسانيته في عالم خاضع للسيطرة المحكمة وان يتحول الي شريحة مهمة في ميكانزم مكون من مليارات الشرائح.واصبح ادب الخيال العلمي ميدان تعبير عن المخاوف واحوال القلق هذه وانعكاسا لها ايضا والامر الجدير بالملاحظة ان بين خالقي هذا الادب لا نلقي في اغلب الاحوال الادباء المحترفين فهو ادب يهيمن عليه العلماء والكتاب الصحفيون في بلدان الغرب. كذلك نجد بين كتاب هذا الادب من يؤمن بانه يقوم برسالة ما، وهذا الهيكل المهني يملك هنا اهمية خاصة فهؤلاء العلماء والاخرون هم بفضل مهنهم قريبون من اخطر قضايا العصر. وكتاباتهم من هذا النوع تصبح بالنسبة لقسم كبير منهم ميدان تجارب سوسيولوجية وبسيكولوجية بل منبرا يمكن ان يشاطروا فيه القراء تأملاتهم وشكوكهم ومخاوفهم وتحذيراتهم.لقد استطاع الانسان عبر تاريخه الطويل ان يقتنع بان كل انجاز كبير من انجازات فكره وعبقريته الاكتشافية يمكن ان يستخدم اما لخيره واما لهلاكه.ان الانبهار لحد العمي بالامكانيات التقنية والعلمية لجنس الانسان العاقل والذي كان قد سجل بلغة منتصرة في مؤلفات القرن التاسع عشر التي يمكن ضمها الي ميدان الخيال العلمي او السوسيولوجي قد انحسر بصورة مبكرة ــ في مطلع القرن العشرين. فالنزاعات الاجتماعية المتصاعدة والمنفجرة في شتي بقاع العالم والصدامات الدامية التي انتهت بنشوب الحرب العالمية الاولي قد هزت عقول مناصري التقدم المتحمسين اولئك وظهرت في الادب العالمي مؤلفات مثل (ماكنة الزمن) لويلز (غزو الجرذان) و (كراكاتيت) لتشابيك و (عام 1984) لاورويل او مؤلف الدوس هكسلي (عالم جديد رائع) الذي كان اشهر كتاب من نوع ضد ليوتيبيا في فترة ما بين الحربين.وكان الواقع ينقض الكثير من توقعات هؤلاء الكتاب الا ان ما بقي منها يصبح الأهم: تبين ان ادب الخيال العلمي هو ادب التأملات الكبري. ادب يملك ردود الفعل الاكثر حيوية ازاء المسائل الكبري بالنسبة لحياة الانسان المعاصر، ادب يُعني وليس صدفة بقضايا ممكنة ولكن الاهم هنا كونه أدباً يحرر هذه القضايا من مكامنها.ولقد بينت الحرب العالمية الثانية خطأ الذين قالوا مرة ان الانسان القوي تقنيا يصبح افضل اخلاقيا فالذرة اكمل مصدر للطاقة اصبحت بيد الانسان، الأمر الذي تسبب في هلاك الكثير من المخلوقات، والاسوأ انها صارت اساسا للابتزاز السياسي في الخمسينيات.وهذا الوضع وجد انعكاسا فوريا له في الادب حيث ظهرت مؤلفات لم تكن فقط وهماً علمياً بل وثيقة من تلك الحقبة مثل (الشاطيء الاخير) لنيفيل شوت و (بو) لهنري سليسر و (الحرب الحرارية النووية) لهرمان كان وهذه المؤلفات تبقي في ذاكرة الجميع كتحذير وتذكير بمسؤولية الانسان الاخلاقية عن استغلال الاكتشافات العلمية.وحتي حوالي نصف القرن كانت رؤيا فناء العالم باستخدام سلاح رهيب بعيدة وغير مقبولة وهناك كاتب بولندي يدعي (بوليسلاف جارنوفيتسكي) نشر في عام 1927 رواية اسمها (عام 1975) صور فيها حربا تستخدم فيها الدبابات والطائرات والمدافع التي تطلق قذائفها الي مدي مئتي كيلومتر. وكانت التجربة الاولي الناجحة للبروفيسور برنارد في زرع القلب قد اثارت عاصفة من النقاش في العالم واليوم صارت مثل هذه العملية وزرع الاعضاء امراً مألوفاً في الطب الا ان مشاكل اخلاقية كثيرة نابعة من هذه الانجازات وغيرها مازالت تنتظر الحل وهي قد عثرت علي مرايا لها في ادب الخيال العلمي.اي شيء هو الاهم ــ الحياة أم هوية الانسان؟ مثل هذه المشكلة لم تكن قائمة قبل بضعة عقود من الزمن، واليوم صارت تدرس قضية زرع الدماغ، ولم لا؟ طالما ان كل جزء معطوب او مستهلك من اجهزتنا البشري يمكن استبداله بآخر سليم تملكه تلك المصارف التي صار رأسمالها جسم الانسان.وكانت الرؤي الاكثر سوادا لدي هكسلي متعلقة بازاحة بشر صناعيين ملقحين ومربين ومبرمجين في مختبرات خاصة للبشر الحقيقيين وهذه الرؤي صارت اليوم واقعا ايضا. كما انه لدينا اليوم انسان الانبوب ويجري الحديث عن تغيير الشفرة الوراثية و(تحسين) الجنس البشري.. وهكذا فما كان لوقت غير بعيد مجرد رؤيا مفزعة طرحها ادب الخيال العلمي اصبح واقعا.وجميع هذه القضايا وغيرها تعود الي الماضي وعلي الاقل كفت عن ان تكون قضايا تخص الخيال العلمي فلقد اصبحت مطروحة في حلبة اليومي، الا ان الخيال العلمي يبتعد عن هذه التسمية وحين ينظر من البعد الوهمي للزمن وفي القضايا الاكثر آنية.والموضوع التالي لهذا الادب صار قضايا المعلوماتية (الانفورماتيك) ومكان الفرد في مجتمع الغد القريب. والمعلوماتية تسمي اليوم بــ (مفتاح الرفاهية) فوتائر الابحاث العلمية تنمو بسرعة مفزعة لدرجة ان العالم الذي يبحث عن حلول لقضية ما يجد ان هناك ثلاثين من زملائه في العالم يبحثون في القضية ذاتها من البحث هذا ان لم يكن قد سُبق بأشواط.الناس منتشون بروائع العالم الآلي الجديد الذي ازدادت فيه سرعة الاعلام بملايين المرات اما آلاف الكمبيوترات في امريكا فقد زادت انتاجية العمل بشكل خيل فيه ان الولايات المتحدة تملك اربعمائة مليار من الناس وليس المئتين ونيف من الملايين. وفي لندن توجد جمعية للكمبيوتر وقد قام اعضاؤها بحسابات لعمل الكمبيوتر كانت كالآتي: علي خمسين انسانا ان يعمل ليلا ونهارا ولمدة مئتي سنة كي يرتكب الاخطاء التي يقع فيها العقل الالكتروني خلال ثانيتين.وفي يوم افتتاح خط مؤتمت للمترو في احدي المدن الامريكية قال مذيع: سيدتي وسادتي.. انتم اليوم شهود انجاز كبير من انجازاتنا. فهذا المترو. لا احد يعمل فيه وكل شيء مبرمج في الاجهزة الالكترونية وليس هناك اي احتمال في حدوث خطأ ولو كان بسيطا.ويتصاعد طوفان الاعلام بوتيرة لا يمكن تصورها. واليوم لا شيء غير الاختصار واختصار الاختصار. والانسان اخذ يضيع في هذا كله. وبشكل ما صار تابعا لهذه الماكنة المتقنة التي قام هو بصنعها وهذه الحالة هي مصدر القلق الذي ينعكس في ميادين عدة بينها ادب الخيال العلمي.ان هذه الهيمنة التي يحققها الكمبيوتر، شأن الظواهر الاخري التي تقلل من دور الفرد في المجتمع تدفع الي التفكير بالقضية التالية، وهي انه في الجوهر لا تهددنا الحكومات التي تديرها المكائن الا ان ما يهددنا التشتت الجديد للسلطة وهذا ما يقوله علي الاقل، مؤلفو الخيال العلمي في الغرب بشكل خاص.ان عمليات الانتاج التي تزداد تعقيداً والترابط المتبادل بين العمليات التي كانت تبدو بعيدة عنا والاخري ومعها الظواهر التي تحصل في بلدان بعيدة الواحدة تلو الاخري تسبب نشوء مجموعات قيادة ذات تخصص كامل فمن يوم الي آخر يرتفع دور رجل العلم والاختصاصي والخبير. وممثلو الدول هم اليوم في الغالب اناس ذوو مكانة علمية ومعظمهم اساتذة معاهد عليا. والناس الذين يعملون في حقل الانتاج تزداد معرفتهم ايضا وصار كبيرا عدد العمال الذين يملكون التحصيل الدراسي المتوسط اكيد ان لكل انسان حدوده العقلية وقابليته في هضم المعرفة واستيعابها فهل تصبح هذه الحدود عامل ميز ضد ذوي القابليات المحدودة علي الاقل؟هذا السؤال وجد صياغات شتي في مؤلفات الخيال العلمي انه سؤال اجتماعي صرف ويتفرغ منه سؤال آخر: كيف يمكن توفير فرصة التطور المتكافيء للجميع؟وبهذه الصورة التي لا تخلو من الارتباك اردت القول ان ادب الخيال العلمي يثير قضايا كثيرة، حاولت ان اطرح بعضها. وقد يستخلص القاريء نتيجة مفادها ان هذا الادب ليس ادب المستقبل فحسب، فنحن لا نبالغ اذا قلنا بأنه مرآة المعاصرة والتي تعكس احوال خطيرة من القلق والشك لدي الانسان المعاصر، بات يتضاءل فهمه لها.ان تقديم (الواقع غير الواقعي) في ادب الخيال العلمي لا يكون هدفا بحد ذاته بل محض وسيلة تخدم مسألة كشف حقائق عادية لاينتبه اليها الكاتب (الواقعي) في احوال عديدة.وكان الشعر الرومانسي مغرما باللجوء الي عناصر من وراء الطبيعة وفي رواية العصر الغوطي كانت الصفحات تكتظ بالاشباح والمخلوقات القادمة من الجحيم، الا ان ادب الخيال العلمي مهما بالغ في سوحه الفنتازي يبقي مشدودا بسلاسل الواقع ــ واقع عصر الثورة العلمية ــ التقنية التي حررت بقفزات سريعة مذهلة طاقة الاكتشاف والاختراع القائم علي استغلال قوي الطبيعة بالاساليب الجديدة. وفي سبعينيات القرن العشرين لوحظ تطور في ادب الخيال العلمي، وكان انحسار ذلك الانبهار بالتقدم المعرفي والتكنولوجي مع تزايد الاهتمام بالمعادلة القائمة بين الانسان والمجتمع وما يتبع ذلك من آمال ومخاوف وتناقضات في حقول النشاط والتفكير. والمواقف الاخلاقية ازاء الركض المستمر وراء المغانم الجديدة للتقدم. وفي الاخير ازاء قضايا الموت والدمار. وهذا الابتعاد عن التقنية باتجاه النزعة الانسية قد يبدو نوعا من المفارقة التي قد تصرف انتباهنا عن البحث عن الاسباب في حالة الاشباع التقني التي وصل اليها جزء من البشرية في عدد من مناطق العالم. الا ان الاسباب لا تقتصر علي حالة الاشباع هذه فهي تكمن قبل كل شيء في مظاهر النضج الذي وصل اليه هذا الصنف من الادب والذي لا يطمح اليوم في ان يكون ادب مغامرات او اساطير علمية بل يجد جذوره في (يوتيبيا) مور و (ماكنة الزمن) لويلز. وفي الواقع كانت النزعة الانسية ملموسة في بواكير هذا الادب الا ان اندياحها في العقود الاخيرة يعكس اهتمامات اجتماعية تخص الحقبة المعاصرة ايضا. واكيد ان العلم صار العمود الفقري لهذا الادب. بيد ان مؤلفاته التي تمجد انتصار الانسان علي الطبيعة في انخفاض مستمر لقد صار هذا الادب مسجلا امينا ودقيقا لتأثير العلم علي تطور الحضارة وانحدارها . فالعلوم المعاصر صار من السهل ربطها بماكنة الحرب والقهر الاجتماعي ــ الاقتصادي والسياسي.وكان الكاتب الامريكي هــ . غيرنسباك H.Grnback اول من اطلق علي هذا الادب اسم الخيال العلمي وكان ذلك في نهاية عشرينيات القرن الاخير حين اصدر هذا الكاتب اولي مجلات الخيال العلمي. وكانت نيته ان يفرز هذا الصنف الادبي عن البقية ووضعه بمواجهة اليوتيبيا . الا انها لم تكن نية صائبة. اذ ليس هناك خط فاصل بين الاثنين. فكلاهما يمثل تيارا في النثر الادبي الذي يضم المؤلفات الساخرة لفولتير وسويفت وفيرن وويلز ومع فارق واحد: هذا الخيال العلمي يعكس مخاوف البشر من تطوير العلم وعواقبه السوسيوتقنية. وهناك من يجد ان كل روافد النثر المعاصر تصب في ادب الخيال العلمي عامة والبعض وجد صلات قربي بين هذا الادب وبين هوميروس وافلاطون وموروس وديفو وبورخيس ونابوكوف ايضا.ويقول نورمان سبينارد N.Spinard احد افضل كتاب الخيال العلمي ان هذا الادب مرتبط بصورة وثيقة بأدب زمننا. وليس بالامكان التفرغ لقضاياه بعيدا عن ادب الخيال العلمي.وكاتب آخر هو هارلان ايليسون H.Elisson يقول: صار كتاب الخيال العلمي حالمين جددا ونحن جميعا متفائلون ومهما كان الخيال العلمي متشائما فهو يقول لنا ان الغد قادم في كل الاحوال.ADMB
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق