سميرة موسى....واغتيال العقل العربي
في سجل صفوة علماء مصر تأتي الدكتورة سميرة موسى في المقدمة ، فهي أول مصرية تعين معيدة في الجامعة ، وأول مصرية ، أوبالأحرى أول من تخصص من علماء مصر في الأبحاث المتصلة بالذرة ، كانت كتلة من الطموح العلمي ، وصاحبة إرادة صلبة لا تلين ، توصلت من خلال أبحاثها إلى نتائج بهرت علماء انجلترا وأمريكا، فأطلقوا عليها "ميس كوري المصرية"، حيث سارت على نهج أو طريق أبحاث العالمة "ماري كوري" ، كانت تأمل في جعل العلاج بالراديوم مثل العلاج بالأسبرين، حصلت على الدكتوراة من انجلترا عام1948، وسافرت في منحة إلى أمريكا لدراسة علوم الذرة، وهناك أبهرتهم نتائج أبحاثها، وعرضوا عليها الجنسية الأمريكية، ولكنها رفضت ، فقد رأت أن مصر أولى بنتائج أبحاثها، ولأنها عرفت أكثر مما ينبغي عن الذرة ، وزارت مختبراتهم ، فكان لا بد من تصفيتها جسدياً وحرمان مصر من علمها وأبحاثها .
ولدت سميرة موسى علي في 3مارس عام 1917، في قرية "سنبو الكبرى" بمحافظة الغربية ، وكان والدها مزارعاً ، يمتلك عدة أفدنة ، وكان مهتماً بالسياسة ، مداوماً على متابعة الأخبار من خلال الصحف ، تعلمت سميرة موسى في كتاب القرية مبادئ القراءة والحساب، ثم التحقت بالمدرسة الأولية بالقرية ، حيث ظهر نبوغها المبكر، فلفت ناظر المدرسة نظر والدها إلى ضرورة الاهتمام بها ورعايتها ، فهي موهوبة ويمكن أن تكون نابغة إذا ما انتقلت إلى القاهرة وتعلمت في مدارسها.
وكان والدها محباً للعم فترك القرية وزراعته واشترى لوكاندة في ميدان العتبة ، وأخذ أولاده ومن بينهم سميرة إلى القاهرة ، حيث ألحقها بمدرسة "قصر الشوق الابتدائية" ثم انتقلت إلى مدرسة السيدة "نبوية موسى" ، حيث ظهر تفوقها العلمي بوضوح ، وفي هذه السن المبكرة ألفت كتاباً بعنوان"الجبر الحديث" لطلاب السنة الأولى الثانوية ، تبسط فيه مادة الجبر لزميلاتها.
ولما كانت المدرسة لا يوجد بها مختبرات للعلوم، طلبت سميرة موسى من والدها أن ينقلها إلى مدرسة حكومية حتى تتمكن من إجراء التجارب في المختبر ، ولأنها كانت موهوبة ، قررت ناظرة المدرسة"نبوية موسى" تزويد المدرسة بمختبر حتى لا تترك هذه العبقرية المتميزة المدرسة التي حصلت على المركز الأول على مستوى القطر المصري في امتحان الثقافة ، ثم في امتحان البكالوريا أيضا .
كانت سميرة تحب دراسة العلوم حباً جماً، ، ورغم معارضة والدها أصرت على الالتحاق بالجامعة، وبكلية العلوم بالذات، وقد تحقق حلمها ,تخرجت في الكلية بامتياز مع مرتبة الشرف ، وكانت الأولى على دفعتها وذلك عام 1939 .
وبعد تخرجها خاضت سميرة معركة أظهرت صلابة معدنها، فقد رفضت إدارة الجامعة تعيينها معيدة بكلية العلوم ، ولكنها طالبت بحقها ، وساندها في هذه المعركة الدكتور العالم "مصطفى مشرفة" الذي هدد باستقالته إذا لم تعين سميرة موسى معيدة بالكلية كانت الجامعة ترى أن التدريس بالجامعة للرجال فقط ولكن سميرة انتصرت في معركتها ، وأصبحت أول معيدة بالجامعة المصرية"جامعة فؤاد الأول" بفضل مساندة الدكتور مشرفة لإيمانه بنبوغها وتفوقها ، وما يمكن أن تضيفه إلى رصيد مصر العلمي.
حصلت سميرة على درجة الماجستير من "جامعة فؤاد الأول" عام 1942، في موضوع" التوصيل الحراري للغازات" ، وقد أكدت في رسالتها قدرة بعض الغازات على إحداث تأثير حراري قاتل، وأن هناك غازات إذا ما تم تكثيف ذراتها بشدة قد تنفجر وتحرق مدينة بكاملها، وهذا ماحدث بالفعل عندما ضربت أمريكا هيروشيما ونجازاكي بالقنبلة الذرية.
سافرت سميرة إلى انجلترا للحصول على درجة الدكتوراة في موضوع"خصائص امتصاص المواد لأشعةX" ، وحصلت على درجة الدكتوراة في 17 شهر فقط، ثم واصلت أبحاثها ، وتوصلت إلى نتائج خطيرة تساعد في تفتيت ذرات المعادن الرخيصة مثل النحاس ، مما يتيح للدول الفقيرة والصغيرة امتلاك القنبلة الذرية .
هذه النتائج الخطيرة لفتت إليها الأنظار ، وأصبحت تحت ميكروسكوب علماء الذرة اليهود، وأجهزة مخابراتهم ، خاصة بعد أن كتب أحد أساتذتها في الصحف الإنجليزية يقول:" إن تجارب سميرة موسى قد تغير وجه الإنسانية إذا وجدت المعونة الكافية " ، عادت سميرة إلى مصر وواصلت أبحاثها في مجال الذرة ، وتبنت في عام 1951الدعوة إلى مهرجان عالمي يقام بالقاهرة تحت شعار "الذرة من أجل السلام" ، حضره عدد كبير من العلماء ، وقد أوصى المؤتمر بتكوين لجنة الوقاية من القنبلة الذرية ، وقد كانت الدكتورة سميرة موسى عضواًُ ناشطاً فيها .
ونظراً لأبحاثها المتميزة في مجال الذرة التي تهدف إلى تصنيع هذا السلاح من معادن رخيصة ، وخوفاً من أن تخل أبحاثها بالمعادلة الدولية في الصراع النووي ، كان لابد من احتوائها أمريكياً، وصلت الدكتورة سميرة موسى علي إلى الولايات المتحدة الأمريكية أوائل عام 1952، بدعوة من برنامج "فولبرايت الذري" لزيارة الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك زارت العديد من المختبرات ومراكز الأبحاث الذرية ، ومنها معهد"أوكر يدج للدراسات الذرية" ، حيث كانت أول مصري يدرس فيه.
أخافتهم أفكارها ورغبتها في أن تستفيد مصر بتجاربها وأبحاثها ، وكان من الطبيعي أن تصل هذه الأفكار إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، فكان لابد من احتوائها ، وعندما وجدوا أنه لاجدوى من محاولات الاحتواء، قرروا قتلها بدم بارد، حتى لاتصل أفكارها إلى مصر وحتى لاتتحقق رغبتها في إنشاء معمل ذري حديث.
ونفذوا جريمتهم يوم الاثنين 15من شهر أغسطس عام1951 عندما صدمت سيارة كبيرة سيارتها وألقت بها في واد سحيق وهي في طريقها لزيارة أحد مختبرات الذرة في كاليفورنيا، وماتت الدكتورة عالمة الذرة المصرية سميرة موسى علي ، وماتت معها أبحاثها , وقد كانت أولى الضحايا في مؤامرة اغتيال العقل العربي .
وبعد أكثر من خمسين سنة من وفتها ترى أسرة الراحلة سميرة موسى علي أن دمها في رقبة العدو الإسرائيلي ، وأنه من الضروري إعادة فتح هذا الملف للتحقيق في مصرعها على أيدي الموساد الصهيوني الحاقد على العلم والفكر العربي ،وأنه لابد من إعادة التحقيق في مصرعها وفتح هذا الملف من جديد ...........فهل من مستجيب .............؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق